يدور هذا البحث حول حياة الشاعر ابن قلاقس وشعره. وأثناء حديثي عن حياته تحدثت عن رحلاته إلى صقلية واليمن.
وقد كانت حياة الشاعر قلقة مضطربة. ويرجع وجه من وجوه طرافة شخصيته وشعره إلى هاتين الرحلتين اللتين أبعد فيهما السفر من موطنه الإسكندرية.
أما الرحلة الأولى فقد كانت إلى صقلية في سنة 563هـ، وسنوقف النظر في هذه الرحلة؛ إذ إن صقلية كانت قد خرجت من أيدي المسلمين قبل هذا التاريخ بثمانين سنة. ولكن النورمانديين الذين حكموا الجزيرة كانوا يسلكون مع مسلميها سياسة متسامحة أدت إلى ازدهار الأدب والعلوم والفنون العربية، بل إننا نرى ابن قلاقس لا يكتفي بمديح كبار الشخصيات الإسلامية من أمثال ابن القاسم بن الحجر بل يتوجه بمديحه إلى ملك صقلية النورماندي (وليم) الثاني وقواده.
وشعر ابن قلاقس في وصف صقلية وفي مديح زعمائها المسلمين والمسيحيين - فضلاً عما فيه من صدق التصوير ولا سيما حينما تكلم عن مشاهدها الطبيعية - يعد وثيقة تاريخية لا غنى عنها لمن يدرس أحوال الجالية الإسلامية في جزيرة صقلية بعد نهاية تاريخها الإسلامي.
وعاد ابن قلاقس إلى الإسكندرية بعد أن قضى في صقلية ما يقرب من سنتين ولكنه - وقد كانت تحدوه روح المغامرة وحب الأسفار - لم يلبث أن عاوده الحنين إلى الرحلة من جديد، فذهب في هذه المرة إلى اليمن وكانت تحت حكم بني زريع التابعين للدولة الفاطمية في مصر، فتوجه ابن قلاقس بمديحه إلى الوزير ياسر بن بلال الذي كان وصيا على محمد وأبي السعود ولدي الداعي ابن عمران بن سبأ الزريعي. وكانت عيذاب الميناء المصري على البحر الأحمر هي منطلقه في رحلته إلى عدن التي دخلها في سنة 565هـ وهناك اتصل بالكثير من رجالات البلد.
وشعر ابن قلاقس بدوره في هذه الرحلة اليمنية صادق التصوير لبلاد اليمن ولما وقع من تجارب في هذه الرحلة التي قضى في نهايتها نحبه.
وتحدثت أيضاً في هذا البحث عن ثقافته، وآثاره الفنية، ومذهبه الديني.