لقد تعرضت البشرية على مر العصور للعديد من الجرائم الموصوفة بالوحشية والضراوة والتي نتج عنها مآسي وكوارث بليغة ومتعددة، ولم يجرم هذه الأفعال المؤثمة القوانين الداخلية للدول كونها تتعدى نطاق وحدود الدولة الواحدة سواء من حيث مرتكبي الجريمة أو مكانها، وهو ما حدا بالمجتمع الدولي للوقوف بشدة لتجريم مثل تلك الأفعال.
وهو ما دفع المجتمع الدولي لإنشاء محاكم دولية تختص بنظر مثل هذه الجرائم، بوضع مبادئ دولية حاول ترسيخها، إلا أن ذلك قوبل بالعديد من المعوقات من بعض الدول ذوات المصالح باستمرار إباحة تلك الجرائم وعدم العقاب عليها.
ونظراً لاستمرار هذه الجرائم وإحداثها العديد من المضار لجل دول العالم، مما دفع المجتمع الدولي للوقوف أمام هذه المعوقات بغية إنشاء قضاء جنائي دولي، وبالفعل تم إنشاء المحكمة الجنائية الدولية وفقاً لنظام روما الذي حدد بشكل حصري الجرائم الدولية التي تختص بها المحكمة الجنائية الدولية الدائمة.
ومرة أخرى وقفت بعض الدول للحيلولة دون دخول هذه المحكمة حيز النفاذ من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية مع دول أخرى، وتعديل تشريعاتها الداخلية، إلا أن قوة الدفع التي تبناها المجتمع الدولي أدخل المحكمة الجنائية الدولية حيز النفاذ.
ولهذا عنينا بهذا المؤلف بدراسة تطور القضاء الدولي بعد المنازعات المسلحة وخاصة فيما بعد الحرب العالمية الأولى، إذ عرضنا لدراسة المبادئ الأساسية للمحاكم الجنائية المنشأة إبان الحرب العالمية الأولى باعتبارها أساساً لقواعد القانون الدولي الجنائي، وذلك في الباب الأول.
وأفردنا دراسة مستفيضة للمحكمة الجنائية الدولية من حيث تطور خطوات إنشائها ونظامها وتشكيلها، واختصاصها الدولي والإجرائي والموضوعي والنوعي والدوائر المختلفة التي تتكون منها المحكمة فضلاً عن القانون واجب التطبيق، وذلك مع التعريج على نظام تكامل الاختصاص بين المحكمة الجنائية الدولية والقضاء الوطني.
واستكمالاً للباب الثاني تم بيان الجرائم المختصة بها المحكمة الجنائية الدولية، والإجراءات التفصيلية وضمانات التقاضي أمامها إلى غير ذلك، وأخيراً تم تناول إجراءات إصدار الأحكام وطرق الطعن عليها، وكيفية تنفيذ العقوبة الصادرة من المحكمة، ومكان تنفيذها ومجال التكامل الدولي في تنفيذ العقوبة الصادرة ضد المتهمين.
|