الأعداد السابقة
المجلد :5 العدد : 12 1988
أضف إلى عربة التسوق
تنزيل
من فقه الإيمان بالقدر
المؤلف : د. عباس حسني
من فقه الإيمان بالقدر
د. عباس حسني
الإيمان بالـقدر واجب على كل مسلم ، فهو من أركان التوحيد ، لا يتم الإيمان من دونه .
والقدر له أصلان : أصل من عالم الغيب ، وأصل من عالم الشهادة .
فالأصل الأول ينبغي الإيمان به وعدم التعامل معه إلا عن طريق الدعاء ، فالدعاء جزء من القدر ، منحه الله تعالى لعباده المؤمنين المخلصين ، وأما الأصل الذي من عالم الشهادة فهو لا يكفي فيه مجرد الإيمان ، بل لا بد من التعامل معه في الدنيا ، والله تعالى يحتج بهذا الأصل على الناس يوم القيامة ، وليس لهم أن يحتجوا بالأصل الغيبي ، والناس جميعاً ممنوعون من محاولة التوفيق تفصيلاً بين الأصلين المختلفين في الطبيعة ، لأن أحدهما مكفوف عنا ، لا يمكن معرفة حقيقته في الدنيا . ولا يجوز لأحد أن يركن إلى أحد الأصلين وينكر الأصل الآخر ، فمن فعل ذلك فهو من الفرق الضالة ، وأما التوفيق الكامل بين الأصلين فسيتم على رؤوس الأشهاد في يوم القيامة ، حينما يبين الله تعالى للناس ما كانوا فيه يختلفون ، كما قال تعالى وليبين لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون النحل 92 ، وفي هذا اليوم العظيم سيتضح للناس جميع الأمور التي اختلفوا فيها ، بل إن الله تعالى
– وهو على كل شيء قدير – سيجسم للناس المعاني ، فيعرفونها فور رؤيتها ، كما ورد – مثلاً – بالنسبة للموت ، فسيجسم على هيئة كبش أملح على الصراط بين الجنة والنار ، فيعرفه الناس جميعاً بمجرد رؤيته .
هذا ولا يجوز الانزلاق إلى الكلام في تفاصيل القدر
– مما لم يرد بالكتاب والسنة – بحجة الرد على أهل الزيع والضلال : من الفرق ، والفلاسفة ، بل إن الرد العلمي على هؤلاء جميعاً يكون عن طريق بيان عدم قبول السؤال شكلاً ، وبالتالي فلا يجوز الدخول في موضوعه ، وإثبات عدم قبول السؤال شكلا سهل ميسور في كل عصر ، وهو في عصرنا هذا أكثر سهولة ، فقد ثبت علمياً : أن الإنسان لا يعلم إلا قليلاً جداً من علوم الكون ، وهو لا يعرف نفسه التي بين جنبيه ، بل ثبت علمياً : أنه لا يعرف حتى كنه المادة التي يتكون منها جسمه ، فكيف يحق له مع إقراره بهذا الجهل – أن يلج بابا أغلقه الله إلى يوم القيامة ، يخفي وراءه أسراراً لا يعلمها إلا الله تعالى ، وصدق الإمام على رضي الله عنه حينما سئل عن القدر فقال : [[ بحر عميق فلا تغوصوه ، وسر مكتوم فلا تلجوه ]] .